1.01.2008

مرايــــــا 3




شيخ كبير .. استطاع الزمن أن يخط عليه عمره ، كتجاعيد قد ملأت وجهه ويديه الطاهرتين ، بل وجسده بأسره ..

شيخ كبير .. هو أكبر مما قد ترسمه لك تصوراتك في مخيلتك .
يجلس كعادته ، وحيدا .. على ذلك المقعد الخشبي ، الذي قد يتحمله عاما واحدا لا أكثر ..
يسند إليه ظهره الضعيف .. ويضع قدميه على تلك الأرض .. التي لا يسأم من أن يقوم بتنظيفها ، صباح كل يوم ..

يغطي رأسه بشماغ أحمر ، وجسده بثوب لوقار صاحبه يبدو طاهرا ..

يجد الدفء الذي يقيه برد الشتاء ، حين يضع كفيه في جيبي ثوبه الأبيض ..

يقضي سويعات يومه كلها ، في ذلك المكان ذاته ..لا يفارقه .. يبقى بإنتظار من يأتي ليشتري منه شيئا مما قد وضعه حوله على تلك الأرفف القديمة ..

قوارير مياه معدنية ، لبان ، حلوى ، بالونات ملونة .. والقليل غيرها .. هذا ما يضعه عليها ..

وبجواره ذلك الصندوق الصغير الذي يجمع به نقوده التي إن كانت لدينا فإنها لن تعني لنا شيئا ..

يمسك بأنامله مصحفه الكبير .. يقرأ بعضا من كلمات خالقه بصوت جهور ..

وحينما أدخل عليه في ذلك المكان البعيد لأشتري منه شيئا مما أشتهيه .. يغلق مصحفه .. يزيل نظارته الكبيرة من أمام عينيه .. يرسم ابتسامته لي .. ويتحدث إلي طويلا .. وكأنه يفتقر إلى أنيس له .. حتى أخرج من جواره ..

يالنقاءه !



إلى متى ستبقى مثل تلك النفوس الطاهرة في مثل ذلك المكان ؟

ألم يجب أن يكون دورها في البحث عن لقمة العيش قد انتهى ؟

ألم يأن لها أن لا تبحث عن شئ سوى ربها ؟

ألم يأن لمثلها أن تجد ولو القليل من حقها من ابناءها ؟


ليس ذاك هو الشيخ الوحيد كذلك .. بل هناك الكثير والكثير غيره ..

و قد نجده أمامهم هو الأوفر حظا !



تمت

هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

مشكوره عزيزتي أميره على هذه القصه الرائعه جدا والمؤثره وفعلا هؤلاء الناس يحتاجون لمن يكون ونيس وأنيس لهم في مثل هذه الأوقات((كبر السن))

أعيد شكري لك على القصه...

محمد حمزه...

غير معرف يقول...

كلمات فاقت الرووعه
وكلمات تخطت الابداع لتصل الى سماء التميز
اشكرك كل الشكر غاليتي على روعة ما كتبته اناملك لنا

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
غير معرف يقول...

ربما في خريف العمر قد لايعمل الإنسان ليجني مالاً وحسب ، لكنه يعمل ليحيا فالحياة أجمل بالعمل ..
بالرغم من ذلك فعلاً قد حان الوقت ليرتاحو من عناء السنين

ففي الكبر عندما يُطلب من الشيخ الكبير أن يرتاح من العمل وانه مشكور قد أدى مهمته على أكمل وجه فهو يرى أنها إساءة في حقه ، وكأنة طُلب منه الموت ببطء فهو يرى أن راحته في العمل أياً كان نوع العمل الذي يزاوله

وفي الحياة مهن لاتقاعد منها وهي بلا إجازات أو استثناءات وهي مهنة الأمومة والأبوة وهي حتماً أقدس المهن
فتراهم ينسون عناء أجمل سنين عمرهم التي قضوها في تأمين مستقبل أبنائهم بمجرد أن يرونهم سعداء
وهم يستحقون منا كل الحب والتقدير
وأدعو من الله أن يلطف بحال أمثال هذا الشيخ الجليل

مرآيا صادقة ورائعة

تحية راقية مع باقة ورد لكِ غاليتي أميرة

غير معرف يقول...

.
.

ربما نعتبر حال هذا الشيخ حزينه

ولكن ربما هي له قمة بهجته

او ربما هي مابقي له من ايام تلك البهجه ..!

فمن نحن لنسلبه اياهـا

أمـــيرة ،،

صادق ماخطه قلمك

سلمتِ وكوني بخير

.
.

غير معرف يقول...

أحيانا كثيره يعد توقيت طرح الفكره هو المعيار الأهم...
طرحك لهذه الفكره أختي مع بداية عام جديد لا يأتي الا من كاتبه ذكيه :)
و كأنك تقولين هاهي السنين تمضي و تأتي أخرى جديده، لتترك آثارها على الجميع...ابتداء بالطفل الصغير و انتهاء بالشيخ الكبير..
بعد كل تلك السنين لا يريد ذاك الشيخ الكبير (الطاهر) مالا ليكنزه...فلقد بات ينظر لغاية أسمى و ما بقائه في ذلك المكان الا وسيله.

أحمد محمد